12-عمل المرأة: لماذا أصبح ضرورة؟

busy mother

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتبت تغريدة في تويتر قبل عدة أيام أبديت فيها استغرابي من الغلو في أهمية عمل المرأة اليوم واعتبار وظيفتها ضرورية كالماء والهواء، حتى إن المرأة التي لم تتوظف بعد تُعدّ في أزمة تنتظر انفراجها، أما من ترفض الوظيفة وتفضّل المكوث في المنزل أو عدم السعي لها فتلك مجنونة، وختمت التغريدة بقولي: ما الذي حل بالناس؟

كانت الإجابة حاضرة في ذهني: الأمر الذي حلّ بالناس هو مجموعة من التغيرات الثقافية والاجتماعية بشأن المال والمرأة والأسرة، اختلفت المواقف التي تبناها الأشخاص الذين تفاعلوا مع التغريدة في الردود أو على الخاص أو في حسابي في صراحة، فمنهم من يؤيد استغرابي ويقول إن التكالب على الكماليات هو السبب، ومنهم من أرجع الأمر إلى احتقار دور ربة المنزل، أما المعارضون فقالوا إن الوظيفة أضحت ضرورة قصوى اليوم بسبب غلاء الأسعار وصعوبة المعيشة واستحالة قيام الأسرة المعاصرة بعائل واحد، ومنهم من قال إن الوظيفة أمان من نوائب الدهر و أن المرأة لا تضمن استمرار زواجها أو وفائه أو حياة والدها، فئة أخرى قالت إن جلوس المرأة في المنزل يعد سلوكا اتكاليا، وأنه من العيب عليها -مادامت قادرة على الكسب- أن تقبل أن ينفق عليها أحد!

هذه الردود -المؤيدة والمعارضة- كلها ردود تعبّر على الأقل عن فهم لطبيعة السؤال المطروح، لكنني واجهت أيضا ردودا غير منطقية، تنمّ عن استعجال شديد ورد قبل الفهم -كما هي العادة في تويتر للأسف- هذه الردود فهمت من استغرابي من تعاظم أهمية عمل المرأة أنني أطالب بإلغاء الوظائف النسائية وأطلب من جميع النساء التخلي عن جميع الوظائف،  مثل:

  • لماذا توظفتِ إذا مادمت ترين الوظيفة عيبا؟ (متى قلت إنها عيب؟!)
  • هل تريدين من المرأة المحتاجة أن تتسول في الشوارع بحثا عن لقمة عيش لها ولأبنائها؟ (كيف قفزتم لهذا الفهم؟)
  • ليس كل الناس مثلك أثرياء! (من قال إنني ثرية؟)

كثير من الردود المؤيدة لضرورة عمل المرأة انطلق أصحابها من أهمية الوظيفة على المدى القصير في كون أهميتها نبعت من الاحتياج المالي المعاصر وتعقيد الحياة، لكن الأمر ليس بهذه البساطة أبدا، بدليل أننا نرى اليوم كثيرا من بنات وزوجات المقتدرين والأثرياء يسعين للوظائف سعيا محموما مماثلا لغيرهن، وأن النساء اليوم يقبلن بوظائف مُهينة أو مختلطة لم يكنّ ليقبلن بها قبل عدة سنوات ولو كُنّ أشد فقرا.

إن اختزال تعاظم أهمية عمل المرأة اليوم في مسألة الاحتياج المالي والتغيرات الاقتصادية نوع من التسطيح، يجعلنا لاندرك جذور الأمر ولا ثماره، ولايمكن أن يقول به إنسان يدرك أسباب التغير الثقافي والفكري للمجتمعات، ويدرك دور الآلة الإعلامية في محو ثقافة الشعوب وإحلال ثقافة أخرى بديلة محلها، من المهم أن نمارس مهارات التفكير العليا، أن ننظر للأمر من الأعلى لندرك جذور هذا التغير، ومظاهره وثماره، لأن المجتمعات الواعية فقط هي القادرة على الإصلاح والتغيير، أما المجتمعات التي تستسلم للتغيرات دون أن تعيها، أو تفكر في قدرتها على نقدها وتعديلها، فستبقى ضحية لها.

هناك أربع أفكار مترابطة يمكن أن نُرجع لتغلغلها في المجتمع كثير من التغيرات الثقافية ومنها اعتبار وظيفة المرأة ضرورة، وسأعرضها في هذا المقال بشكل مبسط بعيدا عن اللغة الأكاديمية أو الفلسفية، لأنني على قناعة بأهمية وعي جميع الناس لمظاهرها وتأثيراتها، ولعلها تقود القارئ للتوسع في البحث حولها فأنا لن أستطيع في مقال أن أفصّل جذورها وتأثيراتها، إنما أردت لفت الانتباه لعمق الموضوع وأهميته، هذه الأفكار منتشرة فعلا بيننا لكننا نظنها أحيانا مجرد تغير اجتماعي عفوي، ولا ندرك جذورها الفلسفية العميقة، وكما قال رتشارد تارناس، مؤلف كتاب آلام العقل الغربي: “لابد لكل جيل من أن يُعاين ويُقلّب مرة أخرى، من موقعه المميز الخاص، جملة الأفكار التي شكلت فهمه للعالم” لهذه الأفكار علماؤها ومنظّروها، ومروّجوها في العالم، وبالتالي ينبغي أن لا نتعامل معها على أنها قدر محتوم، بل أفكار لنا الحق في رفضها أو قبولها أو تعديلها:

1- المادية Materialism:

تقوم الفلسفة المادية على تعظيم أهمية المادة بدلا من العقل أو الروح، فلا يهم ذكاؤك وعلمك، أو تدينك وأخلاقك، قيمتك تتحدد في الماديات التي تتملكها: منزلك، سيارتك، أثاث بيتك، نوعية ملابسك، تتبين لك مظاهر الفلسفة المادية عندما تتابع مشاهير انستغرام وسناب شات مثلا، فقد بنوا شهرتهم على مايمتلكونه من ماديات: سفر، مطاعم، مجوهرات، قصور، ماركات عالمية، وكل مظاهر الحياة المترفة، عندما يتعرض عامة الناس ليوميات هؤلاء، فإنهم يتأثرون تدريجيا، ويزهدون في معيشتهم، وبالتالي تشعر المرأة أن نفقة والدها أو زوجها غير كافية، فطموحاتها ومعاييرها أكبر بكثير، فتصبح الوظيفة ضرورة قصوى لإشباع الحاجة للماديات.

إن الفلسفة المادية متجذرة في البشر، لكنها في الوقت المعاصر أصبح لها آلة إعلامية ضخمة تخدمها وتروّج لها، وشركات عالمية تستفيد اقتصاديا من بث النهم الاستهلاكي في الناس، وإبقائهم زبائن جائعين للسلع والكماليات باستمرار، ترتبط المادية بالرأسمالية والهوس الاستهلاكي، وهذه المادية أحد أهم أسباب توق النساء لدخل مادي خاص لم تكن معظمهن بحاجته قبل سنوات قليلة، كما أن النهم الاستهلاكي أثّر على الثقافة المالية للأسرة، فأصبحت بعض الأسر غير قادرة على الادخار للأمور الأساسية كبناء مسكن مثلا أو تسديد فواتير الخدمات الأساسية، ومضطرة للاستدانة نهاية الشهر رغم ارتفاع الدخل، لأنها تنساق مع الكماليات والمظاهر وتبذل فيها معظم دخلها، وبالتالي يظن أفرادها أن الحل في توظيف المزيد من أفراد الأسرة بدلا من معالجة الخلل الأساسي، مع أننا نرى اليوم أيضا أسرا تمتلك المسكن والحياة الكريمة -غير المسرفة- وليس لها عائل إلا الأب وبوظيفة عادية،  في كثير من الحالات يعود الأمر لحسن تدبير المال لا إلى مقداره، فالحل ليس في إضافة عبء جديد للمرأة وإشعارها بأن أسرتها مضطرة لوظيفتها، بل في تثقيف الأسرة وتوعيتها.

2-الليبرالية Liberalism:

يقوم الفكر الليبرالي في الأساس على الحرية والمساواة، لا على العدل والحق، فحرية الفرد مقدمة في الفكر الليبرالي على تماسك المجتمع، وتعطيل المرأة عن العمل عندهم يعني ظلم النساء وفقرهن وحصر المال في أيدي الرجال، إذ لابد من المساواة في ذلك، وليس هناك وظائف مخصصة للنساء وأخرى للرجال، فالمساواة تقتضي أن كل عمل يعمله الرجل، فإن من حق المرأة القيام به، والعكس صحيح، فلابد للرجل من أن يتقاسم عمل المنزل مع المرأة، ولابد من تمكين المرأة من مهن الرجال كأن تكون جنديا في حرب، أو لاعبا لكرة قدم، أو عاملة في محل إصلاح سيارات أو بائعة في سوبرماركت، أو حارسة أمن، وقِس على هذا عشرات المهن التي بدأت تُسوّق لبناتنا اليوم.

3- النسوية Feminism:

النسوية فكرة ولدت من رحم الليبرالية، ولكن مطامعها أعلى، فهي لاتطمح للمساواة فحسب، بل لاستقواء النساء في العالم، يمكن تلخيص فكرة النسوية بأنها محاولة لنبذ قوامة الرجل في الأسرة، وإقامة حياة المرأة على أساس الاستغناء عن الرجل، فربة البيت التي تحتاج النفقة من زوجها، ذليلة في نظرهم وخاضعة للنظام الذكوري أو السلطة الأبوية، وعليها فورا أن تبحث عن مصدر رزق يجعلها قادرة على الاستغناء عن ولي الأمر، فالاستقلال المادي بوابة الاستقلال الحقيقي عن سلطة الرجل، ولاتعترف النسويات -أو النسويون- بتكامل الأدوار في الأسرة، بل لابد من (تمكين المرأة) وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في مؤتمر السكان والتنمية عام 1994 ثم ألِفَتهُ الأسماع بعد ذلك دون الانتباه لدلالاته الحقيقية وآثاره، وقد ارتبط هذا المصطلح بالتنمية الاقتصادية، حيث تُقاس فاعلية الفرد في المجتمع بمدى قدرته على كسب الدخل المادي فحسب، فربة المنزل تسمى عاطلة لأنها لاتكسب كسبا ماديا، أما دورها المعنوي في بناء الأسرة ورعاية المنزل وتربية الأبناء فلايعد شيئا لأنه لايمكن قياسه بلغة الاقتصاد والمال.

ويمكن ملاحظة تأثر المجتمع بهذا الفكر من انتقال مركزية الزوج والأولاد في حياة المرأة المسلمة إلى مركزية الوظيفة، ففي السابق كانت مكانة المرأة يحددها من هو زوجها وكم عدد أولادها، أما اليوم فالمكانة تتجه لمنصبها الوظيفي أكثر، وبالتالي قلّ الحرص على تأمين مستقبل المرأة بزوج وعدد كبير من الأولاد يجنبونها غوائل الزمن، وانتقل شعور الأمان إلى الوظيفة ومستواها المادي، وأصبح الوالدان لايطمئنان على ابنتهما بزواجها وإنجابها كما كان الأمر سابقا، بل بتأمين وظيفة لها، كما انتقلت الأسئلة الفضولية في مجتمعات النساء من الاستفسار عن سبب تأخر الزواج أو الإنجاب، إلى الاستفسار عن سبب الجلوس بلا وظيفة، كما انتقل شعور الحسد من نوعية الزوج وعدد الأولاد إلى نوعية الوظيفة ودخلها المادي، أما الطلاق فقد قلّت الحساسية منه وانتقل التجريم إلى الاستقالة أو التقاعد المبكر، أنا لا أؤيد اعتبار الزوج والأولاد أمانًا، فالأمان من الله، لكنني أتأمل تغلغل الفكر الغربي إلى مجتمعنا المسلم المحافظ، واحتلال الوظيفة لمكانة الأسرة وقفزها لتكون أولوية في حياة المرأة.

4-التقدمية Progression:

التقدمية هي الفكرة الغبية الأم التي تسوق لكل الأفكار الثلاث المذكورة أعلاه، فملخص التقدمية هو الإيمان بأن الأفكار الجديدة هي الصحيحة، وأن الأفكار القديمة هي الخاطئة، وأن مايفعله الناس في عام 2019 أفضل وأعقل وأرشد مما كان يفعله الناس عام 1950 مثلا، ولذلك تروج الأفكار الثلاث الأخرى لأنها حديثة، ومن ثمّ لابد لك من استبدال قناعاتك القديمة البالية حول الأسرة والمرأة والمال بقناعات أخرى جديدة تلائم العصر، لأنها جديدة ولأن العالم يتقدم للأفضل بلا شك، وقد فصّلت الحديث عن الفكرة التقدمية في مقال سابق (هنا).

كثير من الناس في مجتمعات المسلمين قد تشرّب هذه الأفكار الأربع أو بعضها -بدرجات متفاوتة- تدريجيا و خلال سنوات طويلة، لقد تغلغلت في أذهاننا بطريقة ناعمة، عبر المسلسلات والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي والكتب والروايات والاختلاط بالمجتمعات الأخرى، ثم بمشاهدتها على أرض الواقع، والتسليم بهذا الواقع كأمر ينبغي مجاراته واللحاق بركبه بدلا من نقده وتمحيصه وامتلاك حرية رفضه أو تعديله، إننا مجتمعات تابعة -ولابد من الاعتراف بهذا- نستقبل مايرد إلينا دون أن نحاكمه بدقة إلى مرجعيتنا: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أحيانا بسبب الجهل بأحكام الشريعة وإهمال تعلمها، وأحيانا أخرى بسبب الانبهار بالأفكار الجديدة وعدم الرغبة في نقدها؛ لأن نقدها يعني إمكانية رفضها، ورفضها يعني أن نوصم بالتخلف وهو وصف نحاول الفرار منه بسبب الشعور العميق بالنقص أمام المُنجَز المادي الغربي، وخضوعنا له حتى في تعريف التقدم والتخلف.

هذه المفاهيم المذكورة أعلاه تخالف أصول الإسلام وثوابته ولا يغرّك أن بعض تفاصيلها موجود في الإسلام، فالإيمان بالفكرة المادية يعني تقديم الدنيا على الآخرة، والمادة على الروح، كما أن الفكرة الليبرالية والنسوية تنسف نظام الأسرة والميراث والحقوق والواجبات الثابتة شرعا بين الزوجين، فأدوار الرجل والمرأة في الأسرة في الإسلام قائمة على العدل لا على المساواة، فكل منهما يسد ثغرا مختلفا عن الآخر، وكل منهما يكمّل دور الآخر ولايطابقه، أما الفكرة التقدمية فهي تفرض أن الحكم على الأفكار بالرفض والقبول عائد لزمنها لا إلى مصدرها، فإذا كان الإسلام يوجب النفقة على الرجل ويجعل له القوامة على الأسرة، فإن الفكرة التقدمية تقتضي أن نرفض هذا وأن نساير الفكرة الأكثر حداثة: فالمرأة مسؤولة عن نفسها، وليس للرجل عليها أي قوامة، لماذا؟ لأن الفكرة الأولى قديمة وقد انتهت صلاحيتها، والفكرة الجديدة طازجة وصالحة للاستخدام، هكذا ببساطة ! وهذا مايفسر لك الانفصام الذي يعانيه كثير منا، فهو مسلم يحب الله ورسوله، لكنه -شعر أم لم يشعر- يتبنى أفكارا مخالفة لثوابت الإسلام ويعتبرها من المسلّمات لمجرد أنها أكثر حداثة، ثم يحاول ببؤس شديد أن يُحدِث بينها وبين الإسلام تلفيقا مصطنعا ليرتاح من تأنيب الضمير.

أرجو أن يكون القارئ أعقل من أن يستنتج أنني أرفض سعي النساء للتوظيف، فالإسلام لم يحرم كسب المرأة للمال: إما بالعمل، أو الميراث، أو التجارة، أو الهبة، وترك لها حرية التصرف في مالها، وأوجب على زوجها النفقة عليها حتى لوكان فقيرا وهي غنية، كما أن حديثي لايشمل الأسر التي لا عائل لها إلا المرأة،  ما أريد لفت الانتباه إليه في هذا المقال هو أننا قبل الانفتاح الإعلامي الذي شجّع تدفق الأفكار السابقة إلى اذهاننا دون وعي، عشنا منسجمين مع ذواتنا، فلم تكن وظائف النساء ممنوعة: كان منا المعلمة، والطبيبة، وأستاذة الجامعة، وسيدة الأعمال، والبائعة في منزلها، لكن المنطق الفكري الكامن خلف وظائف النساء اختلف اليوم وتأثر بالأفكار المذكورة أعلاه: أصبحت الوظيفة اليوم وسيلة لإشباع النهم الاستهلاكي، فنفقة الرجل لم تعد كافية لإشباع الرغبات المتزايدة، كما أصبحنا نرى استسهال القبول بوظائف مُهينة ولاتناسب طبيعة المرأة وتفرض عليها الاختلاط بالرجال، وأصبحنا نرى من تسعى للوظيفة طلبا للاستقلال عن سلطة الأسرة وولي الأمر، وتعتبر إنفاق وليها عليها ذُلّا واتكالية مع أنه حق لها ليس لأحد فيه مِنّة، حقّ مشروع تماما كحق الموظفة في استلام راتبها من جهة عملها، والأهم من ذلك كله: أننا فقدنا الخيار المترف الذي كان يميزنا عن الرجال، كانت نساء الطبقة المتوسطة مثلي تختار أن تتوظف أو لا تتوظف، كنا نقيّم الوظيفة ثم نقرر رغبتنا في الالتحاق بها من عدمه، دون أن يلحقنا لوم أو تقريع، لأننا لم نكن تحت أي ضغط فكري وإعلامي يخبرنا أن الوظيفة أولى الأولويات، وأن الجلوس في المنزل يعني العطالة أو الذل أو الاتكالية، بعكس النساء في السنوات الأخيرة، فهن يشعرن بأن الوظيفة ضرورة قصوى، فيغرقن في متطلباتها ومتطلبات المنزل والأولاد الأخرى مما يسبب شقاء بالغًا كان بإمكانهن تجنبه لو عرفن أن الوظيفة اختيار لا اضطرار، وقد تناولت هذا  في مقال سابق (هنا).

إن السعي المحموم لتوظيف النساء وإقناعهن بضرورة الاستقلال المادي عن الأولياء، والتقليل من شأن دور المرأة في بيتها، وقبول أي وظيفة حتى لو لم تناسب طبيعة المرأة، له آثار سيئة على المجتمع، ومن المعروف أن سبيل هدم أي مجتمع هو هدم النظام الأسري فيه وتفكيكه، وهو ليس أمرا عفويا، إنه أمر عُقِدت له المؤتمرات والاتفاقيات لسنوات عديدة، وسُخّرت له وسائل الإعلام لعقود، نحن الآن أمام تغيرات فكرية واجتماعية كثيرة ينبغي أن نتوقف لنعيها وندرك جذورها وثمارها لنستطيع تعديلها بما يتفق مع مرجعيتنا الإسلامية، لا أن نستسلم لها وننقاد، لابد أن ندرك أننا نمتلك الخيار للتغيير وإعادة هندسة حياتنا كما نريد، لا كما يُراد لنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

نُشرت بواسطة

ليلى العصيلي

معلمة لغة انجليزية، طالبة دكتوراه في أصول التربية، قارئة وأهوى الكتابة، أقترف شيئا من الترجمة، أطمح أن أسهم في تغيير المشهد التربوي والتعليمي للأفضل

20 رأي حول “12-عمل المرأة: لماذا أصبح ضرورة؟”

  1. كلام سليم ورائع ولكن أضيف حدوث تغيرات بالنسبة لقوامة الرجل فنجد بعض الرجال مجرد حدوث خلاف أو إنفصال يتخلى عن مسؤولياتة ويعتبر خطأ فردي ولكن للأسف أصبحت ظاهرة في المجتمع مما جعل المرأة تأخذ بالأسباب .

    إعجاب

  2. فعلا نجد ضغط رهيب احاول ان لا اتوظف الا بشروط تناسبني وتستاهل اني اترك بيتي
    1 عمل يرقى بي علميا و فكريا او مهاراه 2 مبلغ مغري
    3قصر ساعات العمل 4 سرعة الوصول لمكان العمل

    كانو يسالوني دائما ( ما لقيتي وظيفه !؟) مع ان عمل زوجي متنقل لم نستقر بمدينه وطفلي لم يصل لسنتين
    -منذ ان ولدته وانا افكر بالوظيفه وقلبي لا يرضى ان اضع طفلي بعيد عني ولو لساعه فكيف بدوام طويل

    إعجاب

  3. أحسنت كعادتك في مقال غني لموضوع مهم. رغم أني أرى أن الأسباب الداعية أكثر. منها عدم احترام الوقت المقضي في المهام الجليلة من تربية الابناء ورعايتهم وتهذيبهم. تخلي الرجل عن اكتشاف كوامنه والشقاء في سبيل ارتقاء المجتمع ككل، واكتفاء الكثيرين بما يسد فاه عائلته.
    والاهم، تغيرت معادلة العمل، وستتغير أكثر مع الاتمتة. ماتكلمت عنه الكاتبة يخص الخمسين سنة الماضية، لم تتحدث عن عمل النساء في المزارع والبيوت والإرضاع. إذا سارت الأمور على سيرها، سيتم التخلص من كم وظائف هائلة، خصوصا الرجالية، والاستعانة بمهارات نسائية أكثر، حيث إن سوق العمل يبحث عن العمالة الماهرة ذهنيا، وليس فقط العمالة. والمهارة الناعمة موزعة بشكل متوازن ومحدود بين الجنسين، على عكس القوة البدنية. السؤال القادم سيكون أصعب وسيكون مسؤولية الرجل: كيف يحافظ على منافسته وتطوير نفسه حتى لانفقده ولانقع في خيارين احلاهما مر.

    Liked by 1 person

      1. بالضبط، لم يكن عمل المرأة في المزرعة مصيبة في مجتمع مختلف. سيكون عمل المرأة من بيتها مصيبة في مجتمع توضع الفتن بيد أطفاله داخل منازلهم وتخرج المرأة للعالم أجمع رغم تخدرها في بيتها. تغير العالم ومسؤوليتنا فهمه.

        Liked by 1 person

  4. مقال جميل
    لكن لي ملاحظة وهي في قولك:
    (فالإسلام لم يحرم كسب المرأة للمال: إما بالعمل، أو الميراث، أو التجارة، أو الهبة….)
    صحيح أن الإسلام لم يحرم كسب المرأة للمال بالعمل لكن لا أجد أنه دعا إليه، ومن غير الصواب جعل كسب المرأة للمال بالعمل قسيمًا لتملكها المال بالميراث أو الهبة أو التجارة …
    لم يكن الإسلام ليأمر بالنفقة على المرأة وهو يفضل العمل لها
    بل يمكن القول بأن ايجاب الشرع النفقة على المرأة هو تنزيه لها وتشريف بأن تخرج للكسب والعمل
    وكما لا يخفى على مثلك أن كسب المال بسبب العمل يختلف عن كسبه من الطرق التي ذكرتيها بالنسبة للرجل فضلا عن المرأة
    ولذلك رغّب الشرع وحث في نصوص كثيرة الرجالَ على الكسب وطلب الرزق
    ولا نجده رغّب المرأة على الكسب والضرب في الأرض لأجل طلب الرزق

    ثم أتساءل هل يعتبر تملك المال بالهبة والميراث كسبًا وليس فيه عمل وبذل؟
    (ففي العمل لا يستحق العامل الأجر إلا مقابل العمل، بخلاف الميراث والهبة، وفي التجارة وإن كانت عملا لكن رب العمل يختلف عن العامل فالتاجر آمر متحكم والعامل مأمور محكوم)

    Liked by 1 person

    1. عفوا، لم أقل إن الإسلام أوجب على المرأة العمل، بل قلت صراحة في مقال أشرت إليه هنا أن الله لم يكلف المرأة بالعمل والسعي لكسب الرزق، لكنني في العبارة التي اقتبستها ذكرت أن العمل ليس حراما وأنه من أوجه تملك المال، فهو قسيم للبقية من حيث كونه حلالا، لا واجبا، شكرا لتعليقك الجميل

      إعجاب

  5. حب المال أخرج الكثير وأرهق المجتمع وأفاد أصحاب رؤوس الأموال
    ليست المشكلة في حب المال، ولكن المشكلة في ركوب كل طريق يجلبه
    (القناعة كنز لا يفنى)

    Liked by 1 person

  6. خروج المرأة للعمل ناشيء من نظرة سلبية للمرأة غير العاملة .. وهذه النظرة السلببة ناتجة من الاتجاه النفعي والاتجاه نحو تمكين المرأة في المجتمع ..
    ولحل هذه المشكلة لابد من بناء فكر المرأة الناقد وبناء قناعتها بخطورة دورها الحيوي في قيادة أسرية فاعلة وأن يقوم الرجل بدوره نحو أسرته .. لتكوين أسرة منسجمة ناجحة تكون مثالاً حياً يجتذى به

    Liked by 1 person

    1. أهلا وسهلا دكتورة عواطف، تماما، بناء الوعي هو الذي يجعل المرأة ترتب أولوياتها وقِيَمها وفق منظور إسلامي بعيدا عن الرضوخ لسلطة الثقافة الغالبة التي تجعل دورها خارج المنزل أهم من دورها داخله، ونظام الأسرة في العالم اليوم مستهدف بشكل مخيف

      إعجاب

  7. كلام رائع و ممتاز، شرح وافي لجوانب الظاهرة، فهذه الظاهرة هي احد تداعيات الدولة المستوردة التي نعيش فيها منذ ظهور الدولة الحديثة،فقط أحب أن أضيف ملاحظة أخرى شاهدتها كذا مرة لم تكن موجودة سابقا فمن المعروف أنه كان الرجال هم من يسافرون لطلب الرزق و يتركون زوجاتهم و أبنائهم، الآن صرنا نرى هذه الظاهرة عند النساء فقد رأيت بعض الأمهات اضطررن لترك أبنائهم مع أمهاتهن و السفر إلى مدن آخرى لأجل الوظيفة،تخيلي حجم التداعيات السلبية على كل من الأم و أبنائها عندما تترك أبنائها مجبرة لأجل ظروف الحياة الصعبة،أعرف حالة لامرأة لديها أربعة ابناء تركتهم مع امها و سافرت لأجل الوظيفة و هي حاليا في حالة نفسية سيئة و تتمنى الرجوع لابنائها في أقرب فرصة و لكن ما باليد حيلة،و حالة أخرى لاحداهن تركت ابنها الذي لم يتجاوز السنة مع امها و سافرت لطلب الرزق و هي حتى الآن بانتظار الفرج.

    إعجاب

  8. كلام رائع و ممتاز، شرح وافي لجوانب الظاهرة،فهذه الظاهرة التي هي ضرورة عمل المرأة هي احد تداعيات الدولة المستوردة التي نعيش فيها منذ ظهور الدولة الحديثة التي تتبنى الرأسمالية التي لا ترحم، فقط أحب أن ن أضيف ظاهرة مؤسفة متكررة شاهدتها كذا مرة ،فمن المعروف سابقا أن الرجال كانوا هم الذين يتركون زوجاتهم و أبنائهم و يسافرون إلى طلب الرزق، كانت هذه الظاهرة حكرا على الرجال اما الآن فأصبحنا نراها بشكل متزايد عند النساء،و لك أن تتخيلي حجم الآثار السلبية لهذه الظاهرة على الأم و أبنائها، حيث رأيت أم لأربعة أبناء اضطرت لتركهم مع والدتها و السفر لمدينة أخرى لطلب الرزق، وهي الآن في حالة نفسية سيئة و تتمنى الرجوع لأبنائها في أقرب فرصة و لكن ما باليد حيلة،و حالة أخرى اضطرت لترك ابنها الأقل من سنة و اضطرت للسفر لأجل الوظيفة و هي الآن بانتظار الفرج.
    فكرة أخرى خطرت في بالي، مقالك هذا ذكرني بفيديو شاهدته للطبيب النفسي الكندي المشهور جوردان بيترسون حيث تحدث فيه عن ظاهرة عمل المرأة في العصر الحديث و قال أن المرأة في العشرينات و حتى اوائل الثلاثين يكون تركيزها على الدراسة و النجاح الوظيفي وتركز مجهودها كله في هذا الاتجاه، لكن بعد الثلاثين تبدأ المرأة تلقائياً بالتفكير بالزواج و الإنجاب لأنه كل ماتقدم الإنسان في العمر كلما زاد تركيزه على العائلة و قل تركيزه على جانب الوظيفة لأنه يقترب من سن التقاعد وبعد التقاعد لايوجد سوى الأسرة و الأبناء يملؤون حياة الإنسان. و اكمل الدكتور انه هنا تأتي معضلة المرأة الحديثة حيث انها مطالبة بأداء كل هذه الأدوار بذكاء حتى لايطغى جانب على آخر.

    إعجاب

    1. أحسنت، إضافة عميقة، كثير من المشكلات التي نحن فيها اليوم ناتجة من هيمنة النموذج الغربي للحياة خلال القرون الأخيرة، واعتباره مرجعية حتى للمسلم، وبالتالي الاستسلام له أو محاولة التكيف معه بالتلفيق وتغيير القناعات، أو التضحية بأمور أهم كالعائلة والاستقرار النفسي والعاطفي من أجل تلبية متطلبات الحياة المعاصرة، بينما نملك في الحقيقة سلطة فرض نموذجنا نحن، وجعله أساسا لحياتنا، لكنه الضعف!
      الأمر الآخر أوافقك فيه تماما، أرى أن من حق المرأة أن تتوظف حين تكون الظروف ملائمة لذلك، ثم تنسحب حين تزداد مسؤولياتها، أو العكس، إحدى قريباتي حفظها الله رفضت الوظيفة حين كان أبناؤها صغارا وتفرغت لهم، وحين وصل أصغرهم للمرحلة الثانوية -وكانت لازالت شابة- قررت الالتحاق بسلك التعليم وهي الآن معلمة ذات عطاء مميز تبارك الله، وقد يحدث العكس فتعمل المرأة بداية حياتها ثم تنسحب، وهكذا، المهم أن تكون ذات شخصية ناضجة تدرك أولوياتها، وإن اضطرت للجمع بين المسؤوليات أحسنت إدارة الأمر

      إعجاب

  9. شكرا على المقال
    وفيه شيء مهم جدا جعل عمل المرأة ضرورة
    طبعا هذا غير اللي كُتب ووضحته الأخوات هنا.
    أنه الرجل صار يشوف أنه مُتَفضل على المرأة بالنفقة ومو بسهولة يشتري لها احتياجاتها، فهنا المرأة تتمنى أنه يكون عندها وظيفة وتشتري جميع ما تحتاجه بدون أذى من شخص آخر، ممكن حتى ما يّقَدِّر اللي هي تصلحه في البيت ويعتبره ولا شيء.
    وأنا حقيقة صرت أشوف بعد الطلاق الرجل يصير ما ينفق على أبناءه، مع أنه طلق زوجته. لكن للأسف ما يُطْلَب من الرجل النفقة، يقولوا لا ما نبغا مشاكل وإلخ وأنه ممكن ياخذ الأبناء من الأم ولازم لها محاكم حتى يلتزم بالنفقة.
    فهنا المرأة تتمنى أن عندها وظيفة وتعيش مع أبنائها حياة كريمة، مع العلم أن النفقة واجبة على الرجل، لكن في هالوقت تشوفون حالات كثيرة الأم تضطر هي اللي تنفق على أبنائها بعد الطلاق.

    إعجاب

  10. فهم وتحليل جيد للمشكلة من جميع الجوانب وهذا ما نحتاجه دائماً في مثل هذه القضايا، بارك الله فيك وكتب أجرك

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s