13- تجربة تحدي الكتابة

 

1f22b484c608df85d3bf96e53b2b3d0e

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في اليوم الثاني من شهر أبريل رأيت وسما في تويتر بعنوان #تحدي_الكتابة، وهو تحدّ تخوضه مع نفسك لمعرفة مدى قدرتك على الالتزام بالكتابة اليومية لثلاثين يوما متتالية، فأعجبتني الفكرة لأن في ذهني عدة موضوعات أود الكتابة عنها لكنني أسوّف وأؤجّل، فرأيت الأمر فرصة لاعتياد الكتابة بوتيرة أسرع، وقد فصّلت الأمر في المقال الأول بعنوان استعن بالله ولاتعجز (هنا).

يقتضي التحدي أن تكتب ثلاثين موضوعا، في كل يوم موضوع، لايهم إن كان طويلا أو قصيرا، المهم هو الالتزام، وها أنا اليوم وصلت لليوم الثلاثين، ولكنني لم أكتب إلا ثلاثة عشر موضوعا، يعني نصف المطوب  تقريبا، فهل معنى هذا أنني فشلت؟ لا أظن، فقد كتبت ثلاثة عشر مقالا بواقع مقال كل يومين ونصف، في حين أنني كنت أمكث شهرا ونصف أو شهرين ولم أكتب شيئا، وهذا بحدّ ذاته إنجاز عظيم ولله الحمد، فماذا تعلمت من هذه التجربة؟ أو ما الذي كنت أعرفه سابقا وأثبتته لي هذه التجربة؟

  • ارفع سقف طموحك:

حين ترفع سقف أهدافك، ترتفع إنجازاتك تلقائيا حتى لو لم تحقق الهدف بالضبط، لكنك ترتفع عن أدائك السابق، وضعت في ذهني ثلاثين مقالا، ولكنني انشغلت أياما، وتكاسلت أياما أخرى، فحققت نصف الهدف، ولو قلت إنني سأكتب كل شهر لما كتبت إلا كل شهرين، وهكذا، وهذا مايسميه علماؤنا الأوائل (علوّ الهمّة) فمن علت همّته زاد استعداده وتحمله وإنجازه، حتى لو يبلغ ما يريد بالضبط، ومن درس علم التخطيط عرف إن إنجاز الهدف بنسبة 100% أمر شبه مستحيل، ولكن القوة في مقاربته قدر الإمكان.

  • استمر، حتى لو تعثّرت:

في الأيام الأولى من التحدي، التزمت فعلا بالكتابة اليومية، لكن بعد بضعة أيام، انشغلت قليلا، فمرّ يوم كامل والذي يليه دون تدوين، لكنني عدت مباشرة ولم أعبأ بأنني فوّت يومين، مما ساعدني على الاستمرار، لم أقل إن الأمر انتهى لأنني خرقت شرطا أساسيا، عدت ببساطة شديدة وكأن شيئا لم يكن، وهذا أحد أهم شروط الاستمرار في إنجاز الأهداف، كثير منا يبدأ حمية غذائية مثلا، ولنقل إنها تقتضي ألا يتناول أي وجبة مفتوحة خلال الثلاثة أسابيع الأولى، لكن يحدث ظرف طارئ يفسد الأمر ليوم فيأكل وجبة مفتوحة ويخرق النظام، بعضنا يشعر بأن الأمر كله انتهى، فيترك الحمية ويعود لسابق عهده، وهذا يفشل في الالتزام، التصرف الصحيح هو أن تعود بسرعة فحسب ولاتتطلب الكمال، فالرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه، والاستمرار في المضي نحو الهدف -ولو بتعثّر- أفضل من التوقف، وقد تحدث الأخ علي محمد علي عن هذا الأمر تحديدا في هذه الحلقة بعنوان: أكمل مابدأت! (هنا).

  • لابد من التعلم بالعمل:

ذكرتُ في المقال الذي بدأت به التحدي، أن الإنجاز يُكسبك الخبرة عن طريق التعلم بالعمل؛ لأن الممارسة المكثفة هي التي تقود للإتقان، حيث تكتشف المشكلات والأخطاء أثناء العمل وتعمل على إصلاحها، ومن الأمور التي لاحظتها أثناء هذا التحدي هي أنني أواجه انفلات قلمي أحيانا للاستطراد بعيدا عن فكرة المقال الأساسية، فأحاول كبح جماحه والعودة به، ولم أكن أشعر بهذه المشكلة سابقا لأنني كنت أكتب على فترات متباعدة.

في نهاية هذا التحدي، أشكر الرائعة أراك الشوشان، ومدوّنتها عليّة (هنا) حيث عرفت التحدي عن طريقها وإن لم تعلم هي بذلك، وأشكر زوار المدوّنة، ومن قرأ المقالات أو نشرها أو علّق عليها أو من أبدى مقترحا أو رأيا، وقد سعدت بهذه التجربة، فالكتابة تبهج النفس رغم الجهد الذي يُبذَل فيها، و سأعود من الغد للوضع الطبيعي بإذن الله بعد جرعة التدريب المكثفة على الالتزام، والتي كنت أحتاجها حتى مع حبي للكتابة، وفي ذهني أن أكتب أسبوعيا كل أربعاء بإذن الله، وأسأل الله أن يكون ما أكتبه نافعا وممتعا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مذكرات أميرة عربية وزنجبار المنسيّة !

uploads_1476833755640-blogger-image-978745702

سالمة بنت سعيد بن سلطان، أميرة عربية من سلالة البوسعيدي حُكّام عمان حاليا (ومعها زنجبار سابقا) قصتها غريبة تستحق التأمل، فهي واحدة من عشرات الأبناء للسلطان الذي ما إن توفي حتى تنازع أبناؤه على العرش، ودخلت سالمة في معمعة النزاع لتبوء بالخسارة بعد أن تنكرت لفضل أخيها ماجد ووقفت ضده، ثم تعرفت على شخص ألماني وقررت الزواج منه وتنصرت (!!)

هربت سالمة مع زوجها لألمانيا وأنجبت منه ثلاثة أبناء ثم توفي فجأة وعاشت حياة عصيبة بعده، هذه المذكرات لم تُكتب في الأصل بنيّة نشرها، لكن سالمة ( التي غيرت اسمها لاميلي روث) كتبتها لأولادها كي يتعرفوا على ماضيها المسلم العربي وعيشتها في القصر السلطاني في زنجبار، والكاتبة تصف حياة القصر بدقة شديدة وتشويق بالغ يطير بمخيلة القارئ لتلك القصور المليئة بالخدم والحشم والثراء الفاحش المفتقر للتنظيم والجودة، قصص الغيرة والمكائد والوفاء والخيانة والخير والشر،  تُقدم الكاتبة مادتها في عدة فصول مثل: بيت الموتني، بيت الساحل، وفاة السلطان، ولادة الأطفال وتربيتهم، الرقيق، أزياء النساء….الخ، وفي ثنايا كل فصل تجد وصفا دقيقا للمكان والعادات والطقوس والمشاعر،  وتلمس -في الوقت ذاته- حنينا للديار والأهل، حينما تتطرق الكاتبة لتعاليم الإسلام فإنها تعرضها بطريقة خاطئة ومستفزة للمسلم أحيانا، لا أعلم إن كان ذلك بسبب أنها إباضية المذهب أم بسبب جهلها واختلاط العادات لديها بالدين؟ كما يبدو أنها ندمت على كثير من طيشها واغترارها بالحياة الأوروبية، لكنها تدافع عن المرأة العربية دفاعا ساذجا في كثير من المواضع، أحزنني حنينها وتساءلت: هل عادت للإسلام في آخر عمرها؟ أتمنى ذلك.

اقتنيت الكتاب من مكتبة جرير بسعر٣٩ ريالا، ويقع -مع ملحقاته- في ٣٠٠ صفحة تقريبا (صدقوني ستمر سريعا فالكتاب ممتع) والورق أصفر غير مصقول، النسخة التي قرأتها كانت من ترجمة عبدالمجيد القيسي ونشر دار الحكمة (لندن) أعجبتني الترجمة جدا وكأنني أقرأ نصا كُتب بالعربية لأول مرة، وحين قرأت مراجعات الكتاب في موقع goodreads لا حظت استياء البعض من ترجمة د.سالمة صالح التي نشرتها دار الجمل، الجدير بالذكر أن هذه المذكرات كُتبت بالألمانية ابتداء ثم تُرجمت لعدة لغات، وفقدت بعض فصولها لمدة طويلة، ختاما:يقدم هذا الكتاب صورة لأحداث قديمة في مكان منسيّ (زنجبار، قبل مئة عام أو تزيد) وهذا مايعطيه قيمة مميزة وأهمية استثنائية، وإنني أتساءل: كيف يمكن للكتابة أن تُخلّد ما كان يمكن أن يطمره النسيان للأبد؟ وكم من الأحداث والأزمنة والأماكن التي افتقدنا متعة التعرف عليها بسبب عدم وجود من يكتب عنها؟

هذه التدوينة تم نشرها في مدونتي القديمة (نقوش) بتاريخ ١٣-ذو القعدة-١٤٣٥ هـ

رضوى، وثلاثية غرناطة، وأشياء أخرى!

uploads_1476833484397-blogger-image--739408637 (1)

لعل من محاسن تويتر أنه يجمع أصدقاء القراءة فيحدّثونك عن هذا الكتاب أو ذاك، وحين عزمت على السفر آثرتُ اصطحاب رواية معي، ففي كل سفر تصحبني رواية ترتبط شرطيًّا بالمكان، وتُشبع شغف القراءة بطريقة أقرب للأدب والخيال منها إلى الفكر والواقع، فاخترت “ثلاثية غرناطة” لرضوى عاشور، قرأتها وغرقت في أحداث سقوط غرناطة وتبديل هوية مسلميها بالقوة، حين كان التحدث باللغة العربية ممنوعا وتحري هلال رمضان والاحتفال بالعيدين وكل مايرتبط بالإسلام ولغته وشعائره، اختارت رضوى شخصياتها من بين عامة الشعب، لم تتحدث عن القادة أو العلماء أو الشعراء، بل اختارت أبا جعفر الورّاق، سعد ، نعيم، سليمة، مريمة وعليّ، آثرت رضوى أن تنفُض غبار التاريخ وتنقّب في الكتب والوثائق والمخطوطات وتجمع الحقائق هنا وهناك لتكمل أحجية سدّت الكثير من فراغاتها بخيالها الخصب، قدّمت لنا صورة أبناء ذلك الزمان كما تخيلتها هي مستندة إلى التاريخ، كانت مهمّة رضوى صعبة، فكتابة رواية بتفاصيلها عن زمنك الذي تعاصره ومكانك الذي تقطنه يعدّ عملا شاقا، فكيف بسرد رواية في زمن غابر ومكان بعيد؟ تصف حياة الشخصيات اليومية، عاداتهم، خُرافاتهم، آلامهم، آمالهم وكأنك بينهم؟! أوغلت رضوى في تقليب مواجع القُرّاء حين تحدثت عن شغف القراءة وحرق الكتب والحرمان منها ونفاستها حتى تبذل في سبيلها الأموال وتُركبُ الأهوال!

أوجعتني بالوصف حتى عرفت كم نحن باذخون حين نقتني مانشاء من الكتب، ونقرؤها بلا وجل، وتطبع لنا المطابع آلاف النسخ منها، فهل شكرنا؟

رضوى عاشور  أديبة مصرية توفيت في العام الماضي رحمها الله وزوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي وابنهما الشاعر تميم، أسرة أدبية بامتياز، بحثتُ عن سيرة رضوى فإذا هي أستاذة الأدب الانجليزي في جامعة عين شمس، لكن هذا لم يمنعها أن تكون أديبة بلغتِها الأم، لغتُها فخمة لاتملك إلا أن تعجب بها، تمتليء ثلاثية غرناطة بسرد تفصيلي قد لايُطرب القاريء العجول، لكنه ينم عن تمكن رضوى وجزالتها ويمتع المتمهِّل حقا، لاتخلو ثلاثية غرناطة من شيء من الابتذال في وصف بعض المشاهد، لكنها أخف من غيرها بكثير وهذه المشاهد تمر عليها مرورا عابرا بعكس بعض الروايات المُغرقة في الابتذال وكأنه محور الرواية، وكأن الكاتب لايملك إلا موضوع “الممنوع” ليتحدث عنه، رضوى أديبة وظّفت اللغة والتاريخ والثقافة والهوية والحنين والفراق لتنتج رائعتها “ثلاثية عرناطة”، تحمست لأقرأ ماكتبته عن مأساة الفلسطينيين في “الطنطورية” وعن سيرتها الذاتية في “أثقل من رضوى”.

رحم الله رضوى وغفر لها

هذه التدوينة تم نشرها في مدونتي القديمة (نقوش) بتاريخ ٢٠-شوال-١٤٣٥ هـ