2-الثقافة والتعليم

45758683-sport-icon-stadium-sign

وردني سؤال في برنامج ask عن الثقافة والتعليم وهل هما متكاملان؟ ووعدت صاحبته بالإجابة لاحقا في مقال قد حان وقته.

لنتفق بداية على المقصود بكلمتي (الثقافة والتعليم) فالثقافة مصطلح له معنى اجتماعي مخصص ساقه  تايلور في تعريفه الشهير بأنها ذلك الكل المعقد من  المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع، فنقول ثقافة المجتمع السعودي، الثقافة الأوربية.. وهكذا، ولكن هذا المعنى ليس هو المقصود هنا، بل المقصود ذلك المعنى الشائع المتداول بين الناس وهو الثقافة بوصفها المعرفة المكتسبة غالبا من قراءة الكتب، والتي تظهر آثارها في مواقف الإنسان وحديثه وكتابته، أو كما يصفها البعض بأنها: الأخذ من كل فنٍّ بطرف، أما التعليم فأظن السائلة تقصد به التعليم النظامي، في المدارس والجامعات، والذي ينال المرء به شهادات علمية.

حسنًا، ما العلاقة بينهما؟ وما الفرق؟ سأتناول الموضوع من ثلاث نواحٍ:

  • التعليم النظامي والتعلم الذاتي
  • التخصص الدقيق والثقافة العامة
  • هل تكفي الثقافة العامة وحدها؟

1- التعليم النظامي والتعلم الذاتي:

لعل الميزة الأساسية للتعليم النظامي هي أن له منهجية واضحة، سواء من حيث اختيار المحتوى، أو المدة المحددة، فقد يطول تثقيف المرء لنفسه بحسب ظروفه وهمّته، وقد يتشتت في دروب المعرفة، لكن التعليم النظامي غالبا يجبر على الإنجاز لأنك مرتبط فيه بمؤسسة رسمية رسمت لك الخطة سلفا من حيث محتواها ومدتها، ولاشك أن جودة التعليم النظامي تختلف من مؤسسة تعليمية لأخرى.

لكن التعليم النظامي، مهما بلغت قوته – وكلنا نعلم أنه إلى الضعف أقرب- لا يكفي لوحده، و أنا لا أزهّد الناس فيه، ولكنني شخصيا أزهد بمن يكتفي به، فالعلم الحقيقي أكبر من أن تتسع له أسوار المدارس والجامعات أو تحويه صفحات مقرراتها الدراسية.

هناك طريقٌ موازٍ لابد من أن نسلكه مع أبنائنا قبل دخولهم المدرسة، ونسلكه مع أنفسنا حين نصل لسنٍّ نتحمل فيه المسؤولية، وهو طريق التعلم والتثقيف الذاتي، إذ لايصح ولايليق أن تكون علاقة الطالب بالكتب مقتصرة على المقررات الدراسية والجامعية، أو أن يكون أستاذه أو جامعته مصدر المعرفة الوحيد له، لأنه مهما كان متفوقا في دراسته، مؤديا لما يُطلب منه، فسيظل قاصرا مادام مكتفيا بما يُطعمه أساتذته، طالب العلم الحقيقي لديه جوع معرفي لايمكن للمؤسسة التعليمية النظامية إشباعه لوحدها، لديه نَهَمٌ وشغف حقيقيين، يدفعانه لالتهام كتب لم يفرضها عليه إلا سعيه الجاد للمعرفة، وللتعلم من أناس لم يلزمه بالتعلم منهم إلا إحساسه العميق بأنه يستحق الأفضل.

هذا النوع من الطلاب هو الذي ينتج ويتفوق تفوقا نوعيا، لا أعني ذلك التفوق الذي يُعبّر عنه بالدرجات والشهادات فقط، لكنه العمق المعرفي الذي تظهر آثاره في معرفته ووجدانه وسلوكه ومهاراته العالية، وهذا العمق يتطلب ثقافة عالية لا تعليما نظاميا فحسب، ولعل هذا هو الفرق الجوهري بين طلاب العلم وطلاب الدرجات والشهادات، هذا هو الفرق الذي يجعلنا نرى شخصين يحملان ذات الدرجة العلمية وبينهما بونُ شاسع في العلم والتفكير.

2- التخصص الدقيق والثقافة العامة:

يكتفي البعض منا بالانهماك في تخصصه الدقيق، ويهمل الثقافة العامة، باعتبار أن التخصص هو المهم، وبقناعة مفادها أن الانهماك الزائد في التخصص والانقطاع عن العلوم الأخرى سيزيده براعة في تخصصه، ويكتفي آخرون بالتنقل كالفراشات بين علم وآخر دون التخصص في علم بعينه، وكلا المسارين خاطيء، وإن كنت سأنتقد الأول فقط لأن انتشاره أكبر وخطؤه أخفى، لأن المرء يحتاج للأمرين معا: الثقافة العامة، والتخصص الدقيق، فالثقافة العامة تعطيه رؤية بانورامية للحياة من الأعلى، والتخصص الدقيق يهبه نظرة ثاقبة لجزء من هذه الحياة، فإذا اكتفى بهذا النظر الجزئي، فاتته النظرة العامة، وضاق أُفقه، فصار كالأعمى الذي أبصر مرة فرأى أذن فيل، فطفق يصف كل شيء في الحياة من خلال أذن الفيل لأنه لايعرف غيرها ! وهذا في الحقيقة حال من يغرق في تخصصه ويهمل الثقافة العامة إذ تراه بالغ الجهل في غير تخصصه، ومغاليا في أهمية هذا التخصص لأنه لا يعرف سواه فيحتقر العلوم الأخرى، والمرء عدو مايجهل، أما من يثقف نفسه خارج تخصصه فنظرته أوسع، وتعصبه لتخصصه أقل لأنه يعلم أن لكل علم أهميته، فضلا عن استفادته من ثقافته العامة في إثراء تخصصه الدقيق فهو يطعّمه بما لديه من العلوم الأخرى، سواء بمحتواها أو منهجيتها، ولذلك تتصاعد أهمية الدراسات البينيّة حاليا، وهي الدراسات التي تتقاطع فيها التخصصات.

3- هل تكفي الثقافة العامة وحدها؟

قد يظن القارئ الذي وصل إلى هذا السطر أنني أتعصب للثقافة العامة، وهذا غير صحيح، فالتعليم المنهجي هو الأساس، نظاميا كان أو في المساجد ومسالك التعليم المختلفة، لأن الثقافة العامة قد تنزلق بصاحبها للفوضى المعرفية أو المنهجية، ولعل أكبر مثال على هذا هو العقاد، فرغم ما يمتدحه به المثقفون من أنه لم يكمل تعليمه الابتدائي وبلغ مابلغ من الثقافة، إلا أن ثقافته لم تكفِه، فقد ظهر تخبطه المنهجي في كتاباته وخاصة العبقريات، ولعلي أخص بالتعليم المنهجي هنا: علوم الشريعة، ومنهجية البحث العلمي، فلا غنى عنهما أبدا، ونحن نرى اليوم  التخبط المعرفي الذي قد يصل للإلحاد جراء البعد عنهما والاكتفاء بالثقافة لمجرد الثقافة.

وزبدة الكلام يارفيقتي أن التعليم والثقافة متكاملان ولا يغني أحدهما عن الآخر.

1- استعن بالله ولاتعجز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شاهدت في تويتر أمس وسمًا عن تحدي الكتابة في شهر مارس، وفحواه أن من يدخل هذا التحدي فإنه يُلزِم نفسه بكتابة مقال يوميا لمدة 30 يوما، وجدت الفكرة مغرية لأنها تتحدى تسويفي المُزمِن، فرغم حبي للكتابة، ووجود الكثير من الأفكار التي تستحق الكتابة عنها، إلا أن العملية تتطلب تركيزا أتفنن في الهروب منه يوما بعد آخر، مع أن الشروع في عملية الكتابة هو الأمر الصعب، فإذا بدأ الإنسان تدفقت الأفكار وانسابت الكلمات واكتشف أن الأمر أسهل مما كان يظن ويتصوّر، وكلٌّ منا لديه نسبة من التسويف في مجالات معينة، وإن كنا نتفاوت تفاوتا كبيرا في هذا الشأن، وبذلك تتفاوت إنجازاتنا.

التسويف علّة مزمنة مع بني البشر، حالت بينهم وبين مايستطيعون وأقعدتهم عن المعالي وأرضتهم بالدّون، وما أصدق الشاعر إذ قال:

ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا

كنقصِ القادرين على التمامِ!

أي والله إنه عيب، عيبٌ أن يعطينا الله من القدرات والموارد والإمكانات نعمًا جليلة، ثم نختار القعود والتسويف، ونحن إذ نسوّف نشعر أننا سننجز الأمر، ولكن الوقت غير مناسب الآن، وأنه حين يحين الوقت الملائم سننجز وكأننا ننتظر معجزة ندرك أنها لن تحدث أبدا، إننا نكذب على أنفسنا حين ننتظر المزاج الجيد، و حالة الحماس الملائمة، وتمر الساعات و الأيام والشهور ولم يشرفنا المزاج الجيد بقدومه، وإذا جاء فإننا نختار أن نفعل فيه مانحب، لا ماينبغي فعله، ويالضيعة الأعمار!

التسويف هو تأجيل الأعمال، وهو مأخوذ من كلمة (سوف) وهي حرف يشير للمستقبل ويقتضي المماطلة والتأخير، بعكس الفاء الذي يقتضي الفور، وفي اللغة الانجليزية -إن كنتم مهتمين بالبحث عن الموضوع بها- فإن التسويف هو procrastination.

ولأن خبرتي مع التسويف طويلة، وقد أفلحت في مكافحته مرارا وفشلت مرارا، فإنني تعلمت من القراءة في هذا الموضوع والتجربة ما يمكن أن أجعله مادة هذا المقال، و لعلي أركز على ثلاثة جوانب لهذا الموضوع: لماذا نُسوّف؟ وما آثار التسويف؟ وما علاجه؟

لماذا نسوّف؟

حين يكون لدى المرء عمل ينبغي إنجازه الآن ثم يماطل في إنجازه ويؤخره فإنه يُعدّ مسوّفًا، والتسويف حيلة نفسية يهرب بها المرء من أي أمر يُتعبه، للأمر الذي يريحه ولايتطلب منه جهدا، فمثلا حين يكون لديك اختبار، فإن المذاكرة أمر متعب وممل، وعقلك يريد راحتك، فيجعلك تسوّف المذاكرة، ويهرب بك لفعل مريح ولذيذ: تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي، مشاهدة مقاطع في اليوتيوب، النوم، الأكل، الثرثرة مع شخص يجانبك….الخ، ثم تمر الساعات ولم تنجز في المذاكرة شأنا يُذكر، وفي نفس الوقت لم تستمتع بهروبك، لأن تأنيب الضمير يعذبك وينكّد استمتاعتك، فلا أنت أنجزت المهمة، ولا استمتعت بهذا الهروب.

يُبالغ العقل في تصوّر صعوبة المهمة التي نحن بصدد القيام بها، فنخشاها، ثم نسوّفها، هذا هو سبب التسويف باختصار، ولذلك فإن المصابين بعقدة الكمال هم أكثر الناس تسويفًا، لأن عقولهم تتفنن في تعقيد المهام، فيخافون أكثر، ويهربون من المهمة الشاقة عالية المعايير، ويظن الناس أن حبهم للكمال يؤخر أعمالهم لأنهم ينقّحونها ويهذبونها ويعملون عليها، والحقيقة المرّة هو أنهم لايعملون شيئا: يهربون فحسب!

ما آثار التسويف؟

مشكلة  التسويف أنه يضيع الوقت وهو رأس مال الإنسان، فالمهمة التي سوّفتها لشهور وسنوات، كان من الممكن أن تنجز مكانها عشرات المهام، والإنجاز بحد ذاته يقود للإنجاز، لأنه يكسبك الخبرة، ويشجعك على المضيّ قُدُمًا، وهذا تفصيل الأمرين:

1- الإنجاز يكسبك الخبرة:

كل مهمة تنجزها، تطور مستواك أكثر مما تتعلم من الكتب وسماع تجارب الآخرين، لو قرأت وحفظت كل كتب الطبخ في العالم، وشاهدت برامج أشهر الطهاة، فإن التعلم الحقيقي يكون بدخول المطبخ وخوض تجربة الطهي، ومهما كانت التجربة سيئة، فإن مجرد خوضها كفيل بمعرفتك لما تحتاجه من تحسين، ونقلك لمستوى أفضل، وتأجيل خوضها يعني تأخير الإنجاز أكثر فأكثر، إن مجرد الإنجاز -مهما كان سيئا- أفضل من القعود، وقد قرأت منشورا قبل فترة يتحدث صاحبه عن أن الإنجاز الكمّي الغزير هو الذي يقود للإبداع والإنجاز النوعي، أما التسويف بحجة التركيز على نوعية الإنجاز فإنه يحرمك من فرصة التعلم، وبالتالي لن نكون نوعية إنجازك جيدة، وهناك نظرية تقول إن عملك لمدة 10 آلاف ساعة في مجال ما، كفيل بأن يجعلك خبيرا فيه، لأن الممارسة المكثفة هي التي تقودك للإتقان، وهذه الممارسة سستضمّن قطعا إنجازات كثيرة عادية في مستواها لكن قيمتها الحقيقية هي في تدريبك وصقلك وتأهيلك للإنجاز النوعي الذي لن تصل إليه بالتسويف وانتظار المعجزات.

2- الإنجاز يشجعك على المُضيّ قُدُمًا:

أؤمن بهذه القاعدة: الإنجاز يقود للإنجاز، والكسل يقود للكسل! الإنجاز يعطيك دفعة قوية من الثقة تجعلك تتعطش لإنجاز آخر، وتقول في نفسك: ها أنا فعلتها بحمد الله! لم يكن الأمر صعبًا كما تصورت، فتتشجع لإنجاز آخر، فهو يجعلك:

  • تستشعر أن المهمة لم تكن صعبة جدا كما تصورت
  • تثق بقدراتك، لأنك فعلتها حقا، ولديك الدليل الحي
  • تذوق طعم الإنجاز، فتستطعمه وتستلذه أكثر من الكسل

ولذلك، فإن القرآن يدل -في هذا السياق- على أن الطاعة تجرّ للطاعة، والمعصية تقود للمعصية، فعلك لأمر يقودك لمثيله

إذا، فالتسويف -ياصاحِ- يحرمك من الميزتين سالفتي الذكر، فلا أنت اكتسبت الخبرة، ولا تشجعت على المضي قُدُمًا، فتظل ثقيل الخُطى، تحبو حبوًا، والعمر قصير! فضلا عن الألم النفسي الذي يحدثه التسويف فهو يشعرك بالعجز إذا تأملت ماضيك، والهمّ إذا فكرت في مستقبلك، وقد تخسر بسببه أمورا كثيرة، منها:

  • قد تخسر صحتك، بتسويف اتباعك لنظام غذائي وصحي مناسب
  • قد تخسر علاقاتك، بتسويف الشكر والاعتذار والمجاملة والصلة والهدية والمكالمة والزيارة وغيرها
  • قد تخسر علما غزيرا كان يمكنك تحصيله والانتفاع به في دينك ودنياك
  • قد تخسر الشعور بالرضى النابع من قيامك بمهامك، فتأنيب الضمير يلازمك، والفوضى تدب في حياتك بحسب مالديك من تسويف

والأهم من كل هذا، قد تخسر نفسك، حين تسوّف التوبة والعمل الصالح، فينفرط العمر دون أن تشعر:

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)

ما علاج التسويف؟

لايمكن علاج أمر مالم ندرك أسبابه، أما وقد ناقشنا سبب التسويف الرئيسي وهو استصعاب المهام، ومن ثم الهرب منها طلبا للراحة، فإنه يمكن أن نصف العلاج انطلاقا من التشخيص، لا تستصعب المهمة، ولاتفكر فيها كلها، ابدأ بجزء يسير جدا، وأنجزه، مهما كان مزاجك سيئا، إن مجرد الشروع في العمل يكسر حاجز هيبته، ويجعلك تدرك أنه لم يكن صعبا كما تصورت، ومن ثمّ يشجعك على الإكمال، وقد ذكر ذلك ابن المقفع المتوفى في القرن الثالث الهجري بقوله “إذا تراكمت عليك الأعمال فلا تلتمس الرّوح في مدافعتها بالروغان منها؛ فإنه لاراحة لك إلا في إصدارها، وإن الصبر عليها هو الذي يخففها عنك، وإن الضّجر منها هو الذي يراكمها عليك”، أذكر أنني أثناء إنجاز رسالة الماجستير مرت بي أوقات سوّفت فيها، وانتظرت المزاج الجيد الرائق للبحث والكتابة، فلم يأتِ أبدا ( ولن يأتي، فهو يُجلَب)، حتى عرفت بالقراءة والتجربة أن البدء بالعمل -بغضّ النظر عن المزاج- هو المطلوب، فكنت أفتح ملف الوورد وأتحايل على نفسي بأنني سوف أشتغل على تنسيق النص فقط، فإذا شرعت في العمل، غدا الأمر سهلا وأنجزت أكثر مما توقعت ولله الحمد.

يعاني كثير من الكُتّاب مما يسمى بـ ( حبسة الكاتب ) وهو عجزه عن الكتابة، وقد قرأت تجارب لعدة كتاب، خاصة في كتاب (لماذا نكتب؟) وفي غيره، وقد أجمعوا على نصيحة واحدة: إذا أردت الكتابة، فلا تنتظر المزاج الجيد، ابدأ فورا، اكتب أي شيء، أفرغ ما بذهنك مباشرة، هذه العملية بحد ذاتها كفيلة بإدخالك في جو الكتابة، و مجرد شروعك في العمل يجعلك تنتج المادة الخام التي ستعدلها وتنقحها، وهكذا في أي أمر، لا أحصي عدد المرات التي قلت فيها لنفسي إنني سأرتب هذه الخزانة فقط، ثم أجد نفسي قد أنهيت الغرفة كاملة.

إن اختيار أمر يسير، والبدء به فورا، هو العلاج الناجع للتسويف، ألم تسمع قول الله حاثّا عباده المؤمنين: ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) 

سارع، لاتسوّف، لا تتباطأ، وفي نفس الوقت لاتصعّب الأمر على نفسك، ولاتكلفها مالاتطيق، ابدأ الآن: اتلُ صفحة من كتاب الله، احفظ نصف وجه، راجع حزبًا، امشِ لعشر دقائق، رتب غرفة واحدة فقط، اكتب صفحة واحدة من بحثك، أدخِل تغييرا بسيطا في نظامك الغذائي، ابدأ بشيء يسير جدا ولاتهتم أكثر من اللازم لجودة العمل الان ولاتصعّب الأمر، فإذا بدأت جوّدت العمل شيئا فشيئا دون أن تشعر، وأنا اليوم أمامك مثال حي: لم أكتب كلمة واحدة في مدونتي منذ شهر ونصف، وحين قررت اليوم خوض التحدي قلت سأكتب بضعة أسطر فقط،كانت فكرة المقال غير واضحة تماما في رأسي، وهاهو عداد الكلمات يشير إلى أنني ولله الحمد تجاوزت ألف كلمة، ومع كل كلمة تتضح الأفكار في ذهني، فأعود وأحرر هذه العبارة، وأستبدل تلك الكلمة، فإذا المهمة أسهل مما صوّر لي عقلي سابقا، ابدأ والله هو المعين، واستعن بالله ولاتعجز!

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته