السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحدث أن يصاب شخصان بذات المصيبة، أو يقعان في نفس مشكلة، فيرضى الأول بقدر الله، ويتصبّر حتى يصبّره الله، وقد يكرمه بمنزلة الرضى، فتكون المصيبة مفتاح أجر لاوزر، وميدان انطلاق لا انغلاق، بينما يجزع الآخر، ويتسخط، وقد يفشل في تجاوز المصيبة لبقية عمره، ويحدث الشيء نفسه مع المشكلات، فمن الناس من يتعثر عند أي مشكلة، ويتقن لعب دور الضحية، فإذا طرحت عليه الحلول تفنن في تفنيدها وطرح معوقاتها وبيان استحالة تنفيذها وأن الأمر ليس بيده أبدا، بينما يعي الآخر دوره في حل المشكلة ويبذل مابوسعه من الأسباب لتجاوزها.
وإذا واجهت شخصا من النوع الأول، الذي يجزع للمصائب ويستسلم للمشكلات، ثم حاولت مساعدته بتعريفه بما يمكنه فعله، من الصبر عند المصيبة، أو السعي وفق الإمكان عند المشكلة، غضب عليك، وواجهك بحجة معروفة: أنت لم تجرب ماجربته ولذلك تطالبني بالمثاليات، ولو كنت مكاني لفعلت فعلي.
وهذه حجة من السيء أن تنتشر بيننا، ليس شرطا أن يجرب ناصحك ذات الأمر حتى تكون نصيحته نافعة، بل قد يكون مجربا ويضرك، لأنه هو أيضا تصرف بطريقة خاطئة، فيقدم لك نصيحة خاطئة، صحيح أن التجربة مفيدة لكنها ليست شرطا لصلاح النصيحة، نحن نشترط التجربة أحيانا كمبرر عاطفي لرفض الاستماع لكلام الشخص المقابل، لأن مقتضاه يخالف هوى نفوسنا كما أنه ليس من الضروري أنه لو جرب فيستصرف نفس تصرفك، ربما يكون أكثر حكمة في التعامل مع المشكلات، وأقوى صبرا عند المصائب، والواقع يشهد بتباين مواقف الناس عند مرورهم بنفس الأزمات.
فإذا سمعت نصيحة نافعة فخُذها حتى لو خالفت هواك، فالدواء مرٌّ لكنه نافع، والحكمة ضالّة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، والله أثنى في كتابه العزيز على من يستمع للقول النافع فيتبعه، فقال سبحانه: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)، والمقصود المباشر في هذه الآية هو القرآن، ولكن الآية عامة تشمل كل قول كما يذكر السعدي رحمه الله، ثم يضيف في تفسير الآية: ” فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله…ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره، على ما سواه، وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها، وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذى يميز، لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل“.
إن تمييز النصيحة النافعة، لايلزم منه أن تكون صادرة ممن جرب نفس مصيبتك أو مشكلتك، فلا تتكبر عنها بهذه الحجة، فالتكبر عن سماع النصيحة النافعة صفة مذمومة ولو غُلّفت عاطفيا بحجة أن الناصح لم يجرب، فلا تكن كالمرأة التي استخدمت نفس هذه الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تنتفع بنصيحته، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: “مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَال: اتَّقِي الله وَاصْبِرِي فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنِّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبتي، وَلَمْ تعْرفْهُ، فَقيلَ لَها: إِنَّه النَّبِيُّ ﷺ، فَأَتتْ بَابَ النَّبِّي ﷺ، فلَمْ تَجِد عِنْدَهُ بَوَّابينَ، فَقالتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فقالَ: إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى“. متفقٌ عَلَيهِ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كأني أقرأ الحديث لأول مرة!
إعجابإعجاب