السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفاهيم كثيرة تتصل بحياتنا اليومية تحتاج تفصيلا لنحكم عليها، لايكفي أن نتعامل معها بطريقة إما أبيض أو أسود، إما صواب أو خطأ، الكسل الفكري هو الذي يجعلنا نستسهل الحكم السريع على الأشياء، ونترك التأمل والتفكير، مع أن التروّي مطلوب، لأن قناعاتنا تشكل سلوكياتنا، وسلوكياتنا ترسم مسار حياتنا، في هذه السلسلة سأحاول تفصيل القول في ثنائيات نميل لاتخاذ مواقف سريعة منها، فنحن إما مع هذا أو ذاك، والأمر يحتاج تفصيلا.
حينما يدور الحديث عن التربية في أي مجلس، ينقسم الناس عادة إلى فريقين: فريق يميل للتدليل، وفريق يجنح للشدة، وقد شكّل كل منهم قناعاته عبر سنوات بطريقة متراكمة تؤثر فيها عوامل عدة: تربية والديه له وموقفه من هذه التربية رفضًا أو قبولا، شخصيته وطباعه وميله للتساهل أو الشدة، تجاربه في الحياة ومعرفته للناس وأحوالهم، مشاهداته وقراءاته..الخ
فريق التدليل يرى أن من واجب الوالدين توفير أفضل معيشة للأبناء، وأن التدليل مقياس الحب والرحمة، أما الشدة فهي قسوة لا مبرر لها، وفريق الشدة يرى أن الحزم هو الذي يصقل شخصية الأبناء ويعودهم على مواجهة الحياة، وأن التدليل إفسادٌ بيّن وجرمٌ عظيم.
وأرى أن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ ينبغي أن نفكر في أمرين:
1- شخصيات الأبناء مختلفة:
يختلف أثر التدليل والقسوة على الأبناء، فمنهم من يرقق التدليل طبعه ويهذّب نفسه، ومنهم من يفسده التدليل ويجعله أنانيا مدمنا للأخذ غير قادر على العطاء، أو ضعيفا لايتحمل المسؤولية ولايقوى على مواجهة الحياة، والشدة في التربية يختلف أثرها أيضا على الأبناء: فمنهم من تصقله الشدة وتربيه وتعوده على القوة وتحمل المسؤولية وتجعل شخصيته مميزة وقوية، ومنهم من تكسره الشدة وتهينه وتكون سببا في انحرافه.
2- مفهوم التدليل والشدة مختلف:
للتدليل والشدة صور جيدة وسيئة، فمن التدليل ماهو أمر محمود يُشبَع فيه الأبناء عاطفيا، ومنه ماهو مذموم يكتفي فيه الوالدان بإغراق الأبناء ماديا، أو يتركان الحبل فيه على الغارب لأنهما ضعيفان فحسب، كما أن الشدة مختلفة، فهناك شدة منبعها الحب وإرادة الأفضل للأبناء وفق رؤية تربوية واضحة، وهناك شدة منبعها جفاء الطبع وسوء الخُلُق والبخل العاطفي أو المادي.
لن أتحدث هنا عن التوازن، وما الذي يفترض فعله، وعن الجمع بين محاسن التدليل ومحاسن الشدة، ليس هذا موضوع المقال، الفكرة هي أن هذه المفاهيم تحتاج تفصيلا للحكم عليها، ومن الخطأ تناولها سطحيا بتأييد أو رفض، فمهما بدت سهولة الحكم السطحي مغرية، إلا أنها خطيرة، لأن مواقفنا وسلوكياتنا ستُبنى حينها على أحكام سطحية، وبالتالي مصائرنا.
سلمت اناملك
إعجابإعجاب
بوركت أستاذة ليلى، قلمٌ فَذّ وفِكرٌ مُجـِدْ.
إعجابإعجاب