رضوى، وثلاثية غرناطة، وأشياء أخرى!

uploads_1476833484397-blogger-image--739408637 (1)

لعل من محاسن تويتر أنه يجمع أصدقاء القراءة فيحدّثونك عن هذا الكتاب أو ذاك، وحين عزمت على السفر آثرتُ اصطحاب رواية معي، ففي كل سفر تصحبني رواية ترتبط شرطيًّا بالمكان، وتُشبع شغف القراءة بطريقة أقرب للأدب والخيال منها إلى الفكر والواقع، فاخترت “ثلاثية غرناطة” لرضوى عاشور، قرأتها وغرقت في أحداث سقوط غرناطة وتبديل هوية مسلميها بالقوة، حين كان التحدث باللغة العربية ممنوعا وتحري هلال رمضان والاحتفال بالعيدين وكل مايرتبط بالإسلام ولغته وشعائره، اختارت رضوى شخصياتها من بين عامة الشعب، لم تتحدث عن القادة أو العلماء أو الشعراء، بل اختارت أبا جعفر الورّاق، سعد ، نعيم، سليمة، مريمة وعليّ، آثرت رضوى أن تنفُض غبار التاريخ وتنقّب في الكتب والوثائق والمخطوطات وتجمع الحقائق هنا وهناك لتكمل أحجية سدّت الكثير من فراغاتها بخيالها الخصب، قدّمت لنا صورة أبناء ذلك الزمان كما تخيلتها هي مستندة إلى التاريخ، كانت مهمّة رضوى صعبة، فكتابة رواية بتفاصيلها عن زمنك الذي تعاصره ومكانك الذي تقطنه يعدّ عملا شاقا، فكيف بسرد رواية في زمن غابر ومكان بعيد؟ تصف حياة الشخصيات اليومية، عاداتهم، خُرافاتهم، آلامهم، آمالهم وكأنك بينهم؟! أوغلت رضوى في تقليب مواجع القُرّاء حين تحدثت عن شغف القراءة وحرق الكتب والحرمان منها ونفاستها حتى تبذل في سبيلها الأموال وتُركبُ الأهوال!

أوجعتني بالوصف حتى عرفت كم نحن باذخون حين نقتني مانشاء من الكتب، ونقرؤها بلا وجل، وتطبع لنا المطابع آلاف النسخ منها، فهل شكرنا؟

رضوى عاشور  أديبة مصرية توفيت في العام الماضي رحمها الله وزوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي وابنهما الشاعر تميم، أسرة أدبية بامتياز، بحثتُ عن سيرة رضوى فإذا هي أستاذة الأدب الانجليزي في جامعة عين شمس، لكن هذا لم يمنعها أن تكون أديبة بلغتِها الأم، لغتُها فخمة لاتملك إلا أن تعجب بها، تمتليء ثلاثية غرناطة بسرد تفصيلي قد لايُطرب القاريء العجول، لكنه ينم عن تمكن رضوى وجزالتها ويمتع المتمهِّل حقا، لاتخلو ثلاثية غرناطة من شيء من الابتذال في وصف بعض المشاهد، لكنها أخف من غيرها بكثير وهذه المشاهد تمر عليها مرورا عابرا بعكس بعض الروايات المُغرقة في الابتذال وكأنه محور الرواية، وكأن الكاتب لايملك إلا موضوع “الممنوع” ليتحدث عنه، رضوى أديبة وظّفت اللغة والتاريخ والثقافة والهوية والحنين والفراق لتنتج رائعتها “ثلاثية عرناطة”، تحمست لأقرأ ماكتبته عن مأساة الفلسطينيين في “الطنطورية” وعن سيرتها الذاتية في “أثقل من رضوى”.

رحم الله رضوى وغفر لها

هذه التدوينة تم نشرها في مدونتي القديمة (نقوش) بتاريخ ٢٠-شوال-١٤٣٥ هـ

نُشرت بواسطة

ليلى العصيلي

معلمة لغة انجليزية، طالبة دكتوراه في أصول التربية، قارئة وأهوى الكتابة، أقترف شيئا من الترجمة، أطمح أن أسهم في تغيير المشهد التربوي والتعليمي للأفضل

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s